سارة الزغلول -
كم تعددت السجون في العالم ، و تنافست في حصانتها و أعدادها ، و لكننا
تجاهلنا جميعاً ذلك السجن الأقوى من تلك جميعها ، هو سجن معنوي و غير مرئي و
لكنه في وجوده و حضوره أقوى من أيّ سجن بُني على هذه الأرض . هذا السجن
بنيناه بأفكارنا و أفعالنا ، إنّه سجن الروتين !
فكم
من مرّة شعرت بالملل من الأفعال الروتينية التي تقوم بها كلّ صباح ، من
واجباتك و مهامك التي عليك القيام بها سواء كنت طالب أو موظف أو مدير أو
زوج .. إلخ ..
كلّ تلك الأفعال التي تكررها كل يوم تبعث على الملل و الضّيق و الشعور بأنك أسير لتلك الأحداث و الأفعال ؛ وهو ما يسمى بالروتين .
أن
تكون أسيراً للروتين ، يعني أن تقتل نفسك ببطء و أن تفقد لذّة الحياة و
جمالها ، أن تضيع أيّاماً طويلة في التفكير بهذا الأسر ، أن تفقد حيويتك و
أملك . نعم ، كل هذا و أكثر يحدث إذا اعتبرت نفسك أسيراً للروتين ، و لاحظ
عبارة " اعتبرت نفسك " ، أي أنك أنت من تضع نفسك بهذا السجن و الأغرب من
ذلك أّنّ مفتاح هذا السجن بيدك ، و بإمكانك الخروج منه بمجرّد أن تدير هذا
المفتاح بباب هذا السجن الوهمي .
و
الآن قد تتساءل عزيزي القارئ عن كنة هذا المفتاح و المكان الذي قد تجده
فيه ، إلا أنني أقول لك بأنّ المفتاح يرقد داخل عقلك ، وأنا و أنت سنقوم
بالبحث عنه الآن معاً .. مستعد ؟؟ .. هياا :
أولاً ..
اجلس في مكان مريح بعيداً عن ضوضاء الحياة التكنولوجية و العملية جميعها ،
ثم فكّر قليلاً في مستقبلك ، هيا فكّر بالأحلام التي لطالما حلمت بتحقيقها
، ثم عُد إلى واقعك و انظر إلى موقعك في المجتمع كطالب أو موظف أو أي شيء
آخر ، و لاحظ أن الأعمال و الوظائف التي تقوم بها يوميا ما هي إلّا سبيل
وصولك إلى هدفك ، فإذا كنت طالب في المدرسة ، تذكّر أن هذه المواد الدراسية
المملة التي تدرسها حالياً ستوصلك إلى التخصص الذي تريده في الجامعة و من
ثمّ إلى وظيفتك ، و إذا كنت موظفاً فاعلم بأن هذا العمل الذي تقوم به
بإخلاص سيجعلك يوماً ما تترقى لإن تصبح مديراً ، هذا هو الطريق الأول
للوصول إلى المفتاح " أن تتذكر أهدافك و أحلامك و تجعلها حافزاً لك ".
ثانياً ...
اغمض عينيك و فكّر بأن كل تلك الأعمال هي عبارة عن العالم ،فال 7 مليارات
التي تعيش على هذه الأرض تقوم بمثل ما تقوم أنت ، لذلك أعلم بأن هذه هي
الحياة ، و أي شخص آخر لا يقوم بتلك الأفعال التي نقوم بها يومياً من ( أكل
، شرب ، عمل ، نوم ... إلخ ) لا يعتبر إنساناً طبيعياً . و لا تنسى أن كل
يوم يمر من عمرك هو ذاهب دون عودة ، و ستندم مستقبلاً إن ظللت تفكّر بملل
حياتك و نسيت أن تبدع و تقوم بالمزيد من الأشياء قبل أن يفنى عمرُك و قبل
أن تترك بصمة في هذه الحياة ، لذا فكّر بجمال الحياة و حاول أن تبدع أكثر و
تقوم بالمزيد من الإنجازات التي تدعم ثقتك بنفسك و تحفزك على المزيد من
النجاح .
ثالثاً ..
حاول أن تكسر الروتين فأنا لا أقول لك بأنه لا يوجد شخص على هذه الأرض لا
يمل من القيام بأعماله ، لذا قُم بعمل شيء جديد ، كأن تتخذ لنفسك هواية
جديدة ، أو تخرج مع أصدقائك أو عائلتك إلى مكان لم تذهبوا إليه من قبل ،
أنت أعلم بما يجعلك تشعر بالمتعة ، لذا قُم به فهو أجدر بأن يخرجك من حالة
الروتين تلك .
رابعاً..
لا تنسى العودة إلى ربّك ، فإذا كنت مسلماً فحاول الالتزام بالصلاة إن لم
تكن ملتزماً بها ، و إن كنت فحاول الخشوع فيها و تأديتها على أكمل وجه ، و
حاول الاستماع إلى القرآن بصوت شيخ تحبه و تستريح لسماع صوته ، أما إن كنت
مسيحياً أو من أي ديانة أخرى فحاول القيام بصلواتك الخاصة بديانتك ، فكل
تلك الأعمال الروحية من شأنها أن تشرح صدرك و تُشعرك بالراحة .
حسناً
، و بعد أن قمت بعمل هذه الأشياء ، بإمكاني أن أقول لك تهانينا لإنك وجدت
المفتاح و بإمكانك الآن الخروج من هذا السجن ، و تذكّر دوماً بأن بيدك سجن
نفسك و بيدك أيضاّ أنت تطلق حريّتها .